برلمانيون أم تجار مخدرات
قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية التي نودعها غير آسفين ، أدرك العراقيون بشكل صريح أن وجود البرلمان من عدمه هو الحالة الوحيدة التي يمكن أن نؤشرها في الحياة السياسية الجديدة بعد 2003 . فالبرلمان العراقي كان صورة سطحية لديموقراطية ما تزال في طور النشوء والنمو ؛ ووجوده أقرب الى الوهم منه الى الواقع . ولا نعرف برلماناً في العالم المتحضر والمتخلف معاً يسعى الى مكاسبه الشخصية ولا يختلف عليها قطعاً. لكنه يختلف على مكاسب الشعب وحقوقه الوطنية. ويناكد الحكومة بطريقة بهلوانية كانت تخرج عن سياقات الفهم السياسي الصحيح للعمل البرلماني. الجميع متربصون بالجميع .
حزب (شربت زبالة) يتربص بحزب (ستار أكاديمي) وحزب الباشا يتحين الفرص للإيقاع بحزب السيد ؛ والذئاب تريد أن تنقض على النعاج . والنعاج تبعث رسائل وهمية الى النمور وهؤلاء يقايضون خيول (الريسز) بمساحات خضر لاسطبلاتها وثمة أطراف صامتة تنتظر الانقضاض على الطيور والنسور والدجاج في لعبة الشد والجذب. وغيرها تهدد بالذي تعرفونه وتلوّح بعصا الطاعة العمياء. يتفقون في الليل وهم يحتسون نخب الوطن الممزق ويفترقون في الصباح مثل الكواسر. يأكلون الموز والأناناس ويشرّعون الحصرم للفقراء. ينامون في قصور المنطقة الخضراء وفقراء الوطن يفترشون أرض الصيف والشتاء. يبحثون عن امتيازاتهم الشخصية وهذه لا يختلفون عليها. يتقاتلون مثل ديوك الحلبات الصغيرة في قاعة البرلمان على كل صغيرة وكبيرة ، لكن عندما يصل الأمر الى امتيازاتهم الشخصية ؛ فإنهم يتصالحون ويبتسمون لبعضهم ابتسامات صفراء كالأصدقاء اللدودين. فمن الرواتب الفلكية التي تعادل ميزانية دولة صغيرة الى آخر امتياز غريب من نوعه وهو الجوازات الدبلوماسية لهم ولعوائلهم لمدة ثماني سنوات بعد إن يغادروا المنطقة الخضراء!
إنهم لوحة كاريكاتيرية لسياسة عجيبة جعلت العراقيين ينتبهون الى أنهم غطسوا أصابعهم بدمائهم لا بحبر الانتخابات. هؤلاء يمثلون لقطة فنطازية لمجموعات نصفها غريب ونصفها الآخر لا يفقه من الأمر شيئاً سوى أن يحصي دخله الشهري ويخطط لمشاريعه الاقتصادية القادمة.
ولو أحصينا أربع سنوات برلمانية لما وجدنا فيها فعلاً تشريعياً من شأنه أن يذكّرنا بهذه الأشباح التي تتقاتل على كراسي البرلمان ؛ البرلمانيون الذين يتناطحون فيما بينهم تحت لافتات من الشعارات الفضفاضة ، والذين سيهربون في نهاية المطاف بحسب جوازاتهم الأجنبية وعلى ضوء الثماني سنوات الدبلوماسية التي شرّعوها لهم ؛ هم مَن كانوا وراء الكثير من الفوضى السياسية والاجتماعية ، ولا نقول فوضى الدم ، فهذا ناتج من نتائجها ؛ حيث الأمن الواهي والاختراقات الفظيعة التي أثبتت أن كل شىء معرّض للزوال أو الخراب .
ومهما أحصينا من " منجزات" برلمانية فإنها لا تعدو إلا تحصيل حاصل لبعض القوانين والتشريعات الحكومية. ليس هؤلاء هم نهاية المطاف. فالعراق بلدٌ غني بمواهبه السياسية ورجالاته القادرين على إعادة تشكيل الخط الاجتماعي والوطني على وفق رؤية سياسية ناضجة ، تتيح الأمل في نفوس العراقيين الذين اضطهدتهم سنوات الحريق الطويلة إبان الحقبة الصدامية المظلمة. ولا شك أن ما سيتركه هؤلاء لا يشكّل إرشيفاً يُعتد به في قادم السنوات التي نتمناها سنوات برلمانية حافلة بالمعطيات الوطنية ، وبعيدة عن الأهواء الحزبية والمناطقية الشاذة .عندها لن يأسف العراقيون عندما يغمسون اصابعهم في حبر الانتخابات النزيهة وبقوائمها المفتوحة وباسماء شخصياتها العلمية والعملية ، القادرة على رسم سياسة البلاد ، ومراقبة الأداء الحكومي من كل منافذه ، دون محاباة جهة على حساب غيرها ، بل جعْل المشروع الوطني الديموقراطي ركيزة أساسية للبناء والإعمار وإدخال العراق في منظومة الحياة الكبيرة من الجوانب كلها.. عندها لن يكون العراقيون آسفين مثلما هم الآن!.