بحث/
1 ) " كيفية إكتشافها " :-
قبل التطرق للحديث عن تعريف البصمة الوراثية يجب أن نعرف كيفية إكتشافها حيث أنها لم توجد من العدم أو كانت محض صدفة بل كانت عبارة عن تدرج علمي و تسلسل منطقي حتى تم إكتشافها ، بداية عرف العلماء المتخصصون أن ذات الإنسان كجسم هو عبارة عن خلية بداخلها النواة مسؤولة عن حياة الخلية ثم تم معرفة ما بداخل النواة حيث أنها تحتضن الصبغيات أو الكروموسومات الستة و الأربعين لتنقسم ثم أكتشف بأن هذه الصبغيات أو الكروموسومات تقع في شكل شريط مرتب عليه حوالي مائة ألف جين تشبه في شكله شكل الخرز على الخيط ثم تم التوصل إلى معرفة أن الجين الواحد مكون من أربعة عناصر متضافرة ، بعد الوصول لهذه المرحلة المتقدمة أتحد علماء هذا العصر لدراسة عناصر الجين فيما يسمى بمشروع الجين العملاق ، و رغم ما توصل له العلماء إلا أنهم أقروا بكل صراحة أنهم لم يكتشفوا و لا واحد بالمائة من أسرار هذا العلم الفريد من نوعه كأبرز إكتشافات العصر الحديث في المجالين العلمي و الطبي.
أوجز الحديث عن تلك المرحلة و الثورة العلمية كما أوجزها أستاذنا الكبير و دكتورنا الفاضل سعد الدين مسعد هلالي بالطريقة الآتية :-
أ - الخلية و النواة :
عرفها العلماء بأنها هي عدة تريليونات من الخلايا مكونة لجسم الإنسان ، و كل خلية تحتضن نواة هي المسؤولة عن حياة الخلية و وظائفها ، و كل نواة تحتضن المادة الإرثية و الحصيلة الإرثية سواءً أكانت خواص مشتركة بين البشر جلهم أم كانت تفصيلات تختص بالفرد و تميزه كذات عن غيره بحيث تستحيل المطابقة مع فرد آخر.
ب - الصبغات أو الكروموسومات داخل النواة و تكاثرها :
هي مادة وراثية تسكن نواة الخلية أكتشفها العلماء ، تشكل خيوطاً أو أشرطة ملتفة بشكل لولبي محكم بحيث أنه إذا تسنى فردها لكانت خيطاً أو شريطاً طوله ستة أقدام ، كما أنها أجسام دقيقة جداً أطلق عليها العلماء الكروموسومات و عددها ستة و أربعون ، من خواصها التلون عند الصبغ لذا تكنى بالصبغيات أيضاً ، يتم تزواج هذه الصبغيات أو الكروموسومات بحيث تظهر على شكل ثلاثة و عشرين زوجاً فرد من الأب و فرد من الأم ، و تنقسم الكروموسومات إلى مجموعتين هما :-
المجموعة الأولى : كروموسومات ذاتية و هي اثنان و عشرون زوجاً تتشابه تماماً في كل من الذكر و الأنثى و هي تؤثر في الصفات الجسدية.
المجموعة الثانية : كروموسومات جنسية و هي بعدد زوج واحد هو متماثل بالأنثى يطلق عليه x و عدد زوج واحد مختلف في الذكر أحدهما مطابق للأنثى x و الآخر هو y و هي مسؤولة عن الصفات الجنسية.
ج - الجينات المنظومة على خيوط الصبغيات أو الكروموسومات :
مع التطور التقني و ظهور المجهر بأنواعه المختلفة أكتشف العلماء من خلاله أن شريط أو خيط الصبغيات أو الكروموسومات يتكون من سلسلتين من حمض (dna) و يسمى بالحامض النووي لتمركزه في أنوية الخلايا ، و هاتان السلسلتان تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني بإتجاه عقارب الساعة ، حول محور واحد ، و تكونان لولباً مزدوجاً على شكل شريط كاسيت طوله ألفان و ثمان مائة كم ، و هذا الحمض موجود بكل خلايا الجسم ما عدا كريات الدم الحمراء و هو متطابق في كل الخلايا و لا يتغير أثناء الحياة ، يترتب على هذا الحمض حوالي مائة ألف جين منظومة كالخرز على الخيط.
د - مكونات الجين :
في عام 1953 م أكتشف العالمان جيمس واطسن و فرانسيس كريك مكونات الجين و لهذا حصلا على جائزة نوبل ، حيث أثبتا أن الجين يتكون من حمض النوويك ، و هو بدوره متركب من زوجين متكررين من القواعد كل منهما حمضان أمينيان متعاشقان لا يتعاشق كل إلا مع وصيفه ، و هذه الأربعة عناصر المتضافرة هي في الواقع حروف لغة الحياة ، و بطريقة تكرار القواعد تكون الرسالة ، و هذه الأحماض الأربعة هي : الأدنين و الثايمين و السيتوزين و الجوانين تكون مرتبطة في دقة تكاد تكون تامة حيث الأدنين بالثايمين ، و الجوانين بالسيتوزين ، ثم تكون تكرر هذه الأربعة في صورة زوجين على طول الحمض النووي بشكل منظم مرتب مرصوص.
هـ - من الجين إلى البصمة الوراثية :
إن تسلسل القواعد الأمينية على جزئي حمض النووي يختلف من شخص لآخر ، خاصةً مع ضخامة عددها الهائل الذي يبلغ مقداره حوالي مليارات على كل شريط من هذا الحمض النووي ، و إحتمال تطابق تسلسلها على هذا الحمض في شخصين غير وارد كما في حالة بصمة الأصابع التي تتكون من خطوط حلمية و لكنها لا تتطابق في شخصين ، و على الرغم من أن البشر يشتركون في الجينوم الإنساني ، و جينات السمات المعينة كلون العين أو طول القامة أو غيرها تأخذ الموقع نفسه على الكروموسوم و إن تباينت دلالالتها ، على الرغم من هذا التطابق الهائل بين جميع البشر فإن تفرد شخص بذاته بما يميزه عن سائر الخلق يكمن في حوالي اثنين إلى عشرة ملايين من بين ثلاثة بلايين من الوحدات القاعدية التي تكون الجينوم.
و - البصمة الوراثية :
التعريف المقترح للبصمة الوراثية بعد التوضيح السابق للحامض النووي و مكونات الجين ، يمكننا القول أن البصمة الوراثية هي : تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من الحمض النووي المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه.
2 ) " المصدر التاريخي الشرعي لتأصيلها " :-
نجد أن المصدر الأساسي لظهور فكرة البصمة الوراثية هي القيافة كمصدر تاريخي شرعي كان معمولاً بها و ما يزال في صورته الحديثة ، القيافة لغةً من مصدر قاف و هي بمعنى تتبع أثره ليعرفه ، و يقال فلان يقوف الأثر و يقتافه ، و القائف هو الذي يتبع الآثار و يعرفها و يعرف شبه الرجل بأبيه و أخيه أو هو الذي يعرف النسب بفراسته و نظره إلى أعضاء المولود ، و هي نوعان كالآتي :-
الأول منها قيافة الأثر : و تعني أن الشخص القائم بها يقتفي آثار الأقدام و الأخفاف و الحوافر.
الثاني منها قيافة البشر : و تعني أن الباحث هنا يستعمل الإستدلالات بناءً على هيئة أعضاء الشخص فيما يخص مجال التعرف على هوية الشخص بطريق النسب.
و ما تحويه القيافة من مجادلات في معرفة المولود و غيرها من تلك الأمور و قد فسر ( باب القائف بأنه هو الذي يعرف الشبه و يميز الأثر ، سمي بذلك لأنه يقتفي الأشياء أي يتتبعها ، نقل الأصمعي : هو الذي يقفو الأثر و يقتافه قفوا و قيافةً و الجمع هم القافة ) ، و دليلنا على ذلك ما رواه منصور بن أبي مزاحم حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل قائف و رسول الله صلى الله عليه و سلم شاهدٌ و أسامة بن زيد و زيد بن حارثة رضي الله عنهما مضطجعان فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسُر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم و أعجبه و أخبر به عائشة ، و يستدل من ذلك على أن للقيافة القيمة القانونية و الأساس التاريخي الذي سبق العمل به و الإعتماد عليه في معرفة حقيقة أمر من الأمور الهامة المتمثل في تحقيق أحد مقاصد الشريعة الغراء ألا و هو حفظ النسل بمعرفة النسب.
3 ) " المصدر التاريخي العلمي لتأصيلها " :-
إن الوجود الواقعي و العملي للقيافة أظهر الحاجة إلى وسيلة أدق منها و أسرع بل و تعد فنية أكثر ألا و هي ما يسمى بالبصمة الوراثية ، التي بدأ بإكتشافها العالم إليك جيفري في عام 1985 م ، حيث بدأ إستخدام هذه الوسيلة للتعرف على هوية الشخص في أحوال الحوادث أو أي من الكوارث التي يظهر معها الشخص دون تحديد هوية محددة ، كما في حالة الجثث المتعفنة على سبيل المثال لا الحصر أو القبور الجماعية بل أنه قد يكون الأمر أدق و أكثر تعقيد حينما يكون بحث في أجزاء من جثث متعددة لأشخاص مختلفة في قبر واحد كما هو حال عديد من القضايا المعاصرة بكثير من الدول ، و هناك من الأنسجة التي يتوافر فيها الحمض النووي بكثر مثل الكبد و الدم و المني ، و هناك ما يتوافر فيه الحامض النووي بنسبة أقل كما في الشعر و العظام و اللعاب و غيرها من الأنسجة الأخرى ، كما أصبحت الآن تقنية الحامض النووي تمكننا من التعرف على الشخص بكل دقة و سهولة لمن يجيدها حتى و إن كان الأمر عبارة عن مجرد بحث في مجموعة عظام متناثرة أو حتى جثث مشوه ، فقد أدلى الحامض النووي بالعديد من الإجابات عن أسئلة لم يكن لها إجابات قاطعة فيما سبق من حال الجريمة ، و على ذلك كان الحال في مجال الإثبات الجنائي بالقيافة لتسهيل مهمة القبض على المتهم و إحضاره لمجلس القضاء ، و يكون ذلك إذا أسفر البحث عن شخصية معينة هي التي يميل القائف إلى التهمة إليها و لكن الخطوة الأولى في هذا السبيل هي التعرف على الشخص المقتفى لأجله و هو ما عمل به فيما سبق و الدليل على ذلك فيما رواه قتيبة عن الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززاً نظر آنفا إلى زيد بن حارثة و أسامة بن زيد رضي الله عنهما فقال هذه الأقدام بعضها من بعض قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح و قد روى ابن عيينة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها و زاد فيه ألم تري أن مجززاً مر على زيد بن حارثة و أسامة بن زيد رضي الله عنهما قد غطيا رءوسها و بدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض ، و وجه الإستدلال هنا أن دور القائف كان دوراً هاماً بشدة كذلك في جمع الأدلة و تقصي حال الحقيقة في القضية محل النظر سواءً في التعرف على الشخص أو نسبه إلى أهله ، و مع تطور العمل الفني في الإثبات الجنائي ظهرت البصمة الوراثية على إعتبارها أدق صور الإثبات حتى الآن ، و الذي يدعونا إلى بحث أبرز صور إستخدامها في المجال الجنائي كأهم و أدق طرق تحقيق العدالة في عصرنا الحالي ، بهذا أنهي الحديث عن الجزء الأول من مقالات " البصمة الوراثية و دورها في الإثبات القانوني " .
" البصمة الوراثية تعريفها و خصائصها و أبرز مجالات إستخدام العصر الحديث لها "
1 ) تعريف البصمة الوراثية لغةً و إصطلاحاً :-
# تعريفها لغة :
كلمة " البصمة " مشتقة من البُصم و هو : فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر ، يقال : ما فارقتك شبراً ، و لا فتراً ، و لا عتباً ، و لا رتباً ، و لا بصماً ، و رجل ذو بصم : أي غليظ البصم ، و بصم بصماً : إذاً ختم بطرف أصبعه ، و البصمة أثر الختم بالإصبع كما أقر بذلك مجمع اللفة العربية ، فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها إلى بصمات الأصابع ، و هي : الإنطباعات التي تتركها الأصابع عند ملامستها سطحاً مصقولاً ، و هي طبق الأصل لأشكال الخطوط الحلمية التي تكسو جلد الأصابع و هي لا تتشابه إطلاقاً حتى في أصابع الشخص الواحد.
أما كلمة " الوراثية " فهي من الوراثة و هي علم يبحث في إنتقال صفات الكائن الحي من جيل إلى آخر و تفسير الظواهر المتعلقة بطريقة هذا الإنتقال ، و أصل الورث أو الإرث ، الإنتقال تقول : ورث المال يرثه ورثاً إرثاً و وراثةً أي صار إليه بعد موت مورثه ، و يقال : ورث المجد و غيره و ورث أباه ماله و مجده أي ورثه عنه ، فهو وراث و هي وارثة و الجمع ورثة ، و أورثه الشي أي أعقبه إياه ، و الوارث من صفات الخالق عز و جل سبحانه.
# أما من حيث الإصطلاح فهي :
كانت بل و لا زالت البصمة هي الوسيلة الأولى المتبعة في التعرف على الجناة بل و الوسيلة الدقيقة في سلوك هذا الدرب من دروب الحقيقة ، إلا أنه نظراً لما مر من عصور و ما أستحدث من وسائل الفحص الوراثي على الأقل في معرفة الأمراض الوراثية مما أدعى إلى السعي وراء محاولة إكتشاف طرق حديثة للوصول إلى الشريط الوراثي المميز لكل شخص على حده و هو ما يطلق عليه علمياً شريط dna المتوفر حسب ما توصلت إليه الأبحاث العلمية و الطبية في أي من أنسجة الجسم ، مما ساعد على كشف غموض الكثير من القضايا و عمليات الثأر الموروثة عند العديد من قبائل البشر و كذا الأعمال الإرهابية التي يضيع فيها الكثير من الضحايا الأبرياء من إناث و ذكور و شيوخ و أطفال لا ذنب لهم ، و قد عرفها بعض الفقه بأنها ( تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من الحامض النووي المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه ) ، و لكننا نرى أنه تعريف محل نظر ! حيث أنه ركز على الشكل دون الموضوع فقد حددها بمعنى كونها وسيلة لتعيين الشخصية و لم يتعرض لتحديدها كمعنى موضوعي بوصف البصمة الوراثية و ماذا نعني بها كمحتوى لذا كان ينبغي تعريفها بأنها ( تلك المادة الحاملة للعوامل الوراثية و الجينات في الكائنات الحية ، فهي مخزنة في بئر الأسرار و هو الجينات الوراثية ).
2 ) خصائص البصمة الوراثية :-
تتمتع البصمة الوراثية بخصائص فنية تختص بها و كذلك لها خصائص خلقية ثابتة في كل إنسان ، لذا سأتطرق لهاذان النوعان من الخصائص من ناحيتين هما الخلقية و الفنية.
(أ) الخصائص الخلقية :
إن أصل الخلق من نطفة الأمشاج كما في قوله تعالى : ( إن خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلنه سميعاً بصيرا ) ، و هذه النطفة هي التي يختلط فيها الحيوان المنوي بالبويضة الأنثوية و دليلنا على تفسير معناه ما رواه حسين ابن الحسن حدثنا أبو كدينة عن عطاء ابن السائب عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبدالله قال : مر يهودي برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يحدث أصحابه فقالت قريش يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لا أسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي ، فجاء حتى جلس ثم قال يا محمد مما يخلق الإنسان قال يا يهودي من كل يخلق من نطفة الرجل و من نطفة المرأة فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظام و العصب و أما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم و الدم ، فقام اليهودي فقال هكذا كان يقول من قبلك ، و بذلك نستدل على النطفة بدليله الشرعي قبل ظهور الدليل العلمي عند علماء الوراثة ، و كتركيب علمي لهذا الأصل الخلقي فإن الحيوان المنوي يحمل كروموسومات xy و البويضة xx و وفقاً لنظرية علم الوراثة الأولى من نوعها نظرية مندل أول مكتشف لعلم الوراثة ، فإن الأبناء لا يختلفون عما تكونت منه جيناتهم الأساسية المنتجة من خلايا الأب و الأم ، و دليلنا في ذلك خطاب الله الخالق سبحانه و تعالى إلى خلقه ( خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلق من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) ، و الدليل المساند لذلك نستنتجه من السنة الشريفة لما رواه عباس ابن الوليد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أم سليم حدثت أنها سألت نبي الله صلى الله عليه و سلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل ، فقالت أم سليم و أستحييت من ذلك قالت و هل يكون هذا ؟! فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم نعم فمن أين يكون الشبه أن ماء الرجل غليظ أبيض و ماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه ، أي إن الإعجاز رباني و ليس بشري فهو إعجاز الخالق العليم منزل القرآن العظيم ذو القدرة العلمية ، و الذي كان و ما زال و سيستمر يعجز عنه البشر ، فللبصمة الوراثية الدلالة الهامة في معرفة الشبه منذ فجر الإسلام ، لما رواه إبراهيم ابن موسى الرازي و سهل ابن عثمان و أبو كريب و اللفظ لأبي كريب قال سهل حدثنا و قال الآخران أخبرنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب ابن شيبة عن مسافع ابن عبدالله عن عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن أمرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم هل تغتسل المرأة إذا أحتلمت و أبصرت الماء ؟! فقال نعم ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها تربت يداك وأٌلت قالت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعيها و هل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله و إذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ، مما يعني أن للبصمة الوراثية الدلالة الواضحة حتى و إن كانت من دون بحث بمجرد الشبه يسهل الإثبات ، من هذا نستطلع و نسترأي فائدة عظيمة من بيان التركيب الخلقي تتمثل في الدليل العظيم الواضح الثابت الذي وهبنا الله إياه في أنفسنا حتى لا تضيع الأنساب ، و يعلم الجاني من فاعل الخير لقوله تعالى ( و في أنفسكم أفلا تبصرون ) ، و قوله تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ) ، أي أن البصمة الوراثية علامة مميزة لكل إنسان في نفسه و لنفسه و لنسله ، و قد ذهب بعض الفقه إلى أن وظيفة الفحص الوراثي بالحمض النووي من باب الوسيلة الغير مباشرة للإثبات و ليست كشهادة الشهود التي بدورها تسبغ على الواقعة محل التقاضي مباشرة.
(ب) الخصائص الفنية :
1 - أنه لولا ما تتمتع به البصمة الوراثية من خصائص و مميزات ما كانت لها المكانة التي تستعدي أن يستعان بالخبراء للكشف عنها حيث تمتعها بعدم التكرار بين الأفراد ، كما أنها من أدق الوسائل للتوصل إلى الفاعل الحقيقي بأسرع الطرق ، فتظهر أهم مميزات البصمة الوراثية في تفرد كل شخص بها على حده دون خلط مما يساعد على جلاء الحق و إزالة أي شوائب تشوبه ، بل و التثبت على اليقين دون الشك و ذلك فيما عدا حالة التوائم المتشابهة.
2 - كما للبصمة الوراثية الميزة الفنية التي تقطع الشك باليقين ، بالتوصل إلى جذور الحقيقة حيث أن ما ينتج عنها من نتائج علمية من واقع الجريمة و حقيقتها ، و لها الفائدة القانونية في الكشف عن المجرمين.
3 - و تتمتع البصمة الوراثية بميزة الدقة ، حيث ما تملكه من الإثبات و كذلك النفي ، في أي من أنواع الجرائم.
4 - أن الله حتى يظهر الحق على الحال التي كانت عليه الجريمة ، فإن البصمة الوراثية التي يحملها الحمض النووي لا تتأثر بالظروف الجوية ، و لو كانت جافة و لو كانت متعفنة ، و من أي من أجزاء الجسم.
5 - و تتميز البصمة الوراثية بعدم إمكانية الخلط بين جزئين متواجدين في مسرح الجريمة و لكن لشخصين
مختلفين ، حيث يمكن الفصل بينهما مهما كان الحال من الإختلاط ، فيسهل فيها الفرز.
6 - يمكن التوصل للبصمة الوراثية لأي شخص بالبحث و الفحص الدقيق للحمض النووي ، و لو كان المصدر عبارة عن بقعة دم أو مني ، أو غير ذلك من المصادر مهما كانت قليلة.
3 ) أبرز المجالات التي أستخدمت البصمة الوراثية في العصر الحديث :-
عملياً نجد أن البصمة الوراثية تصلح للكثير من الحالات في مجالي الجناية و النسب ، و إثبات البنوة أو الأبوة لشخص أو نفيها عنه ، و منها حالات القتل و الإغتصاب و كذلك الزنى و اللواط و السطو و السرقة و الجرائم الجنسية ، ذلك حيث الغالب أن تلك الحالات يترك الجاني دائماً آثاراً تفيد في البحث الجنائي لتسهيل الوصول إلى الجاني الأصلي ، حيث يكون منها الدم و الشعر أو بعض من المني ، فوجود المني على جسد المغتصبة قرينة على وقوع فعل الفاحشة ، و كون الفحص الوراثي نسب المني إلى شخص بعينه فهو دليل إرتكابه هذه الفاحشة ، كما عمل بالبصمة الوراثية في قضايا الإغتصاب بالقضاء السعودي على إعتبارها أحد تقارير الخبرة المعتبرة قانوناً ، كما أعتبرها ضمن المستند الشرعي و النظامي للحكم القضائي ، و جلد عمر رضي الله عنه في حد الخمر بالقرينة لشمه رائحتها من فم شاربها ، و ذلك فيما رواه الحارث بن مسكين قراءةً عليه و أنا أسمع عن ابن القاسم قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء و أنا سائل عما شرب فإن كان مسكراً جلدته فجلده عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الحد تاماً ، و يستدل من ذلك أنه بمجرد حاسة الشم كان القضاء فما بالنا بإثباتات علمية مادية ظاهرة يمكن التأكد منها بإعادة الفحص و حفظها لوقت آخر لا تزول مواصفاتها ، فنرى أنه كلما توفرت البينة الظاهر المادية المثبتة بالبصمة الوراثية كان الأمر واقع و أوجب العقاب ، و هو ما يستفاد مما رواه أبو الطاهر و حرملة بن يحيى عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع عبدالله ابن عباس رضي الله عنه يقول قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه و هو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه و سلم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها و وعيناها و عقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجمنا من بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله و إن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الإعتراف ، و ما يتسدل علهي مما سبق ذكره هو أن البينة إسم لكل ما يبين به الحق و يظهر فكلما طابق الواقع قول المدعي كلما ظهر الحق و البصمة الوراثية مما يبين الحق و يقوي الدلالة عليه ، و الجدير بالذكر سرعة التعرف عن طريق البصمة الوراثية على أسيرين سعوديين مفقودين ، كشف مصدر كويتي معني بملف الأسرى و المفقودين أنهما ممن جلبت رفاتهم من مقبرة السماوة و قد ثبت إعدامهما على أيدي قوات النظام العراقي المخلوع ، و في متابعة الموضوع قامت الجهات المختصة بمطابقة البصمة الوراثية للأسيرين بالبصمة الوراثية بذويهم بعد أخذها مؤخراً ، و قد ثبت أن الرفات تعود لهما حيث قتلا رمياً بالرصاص في مؤخرة الرأس ، بهذا أنهي الحديث عن الجزء الثاني من مقالات " البصمة الوراثية و دورها في الإثبات القانوني " .
" البصمة الوراثية بين الشريعة و القانون "
1 ) البصمة الوراثية و رأي الشريعة و فقهائها و رؤية فقهية تجاهها :-
الحكم في اللغة : القضاء و العلم و التفقيه و أصله : المنع ، و المراد بالحكم عند الفقهاء : أثر خطاب الله تعالى و متعلقه و ليس ذات الخطاب ، و الحكم الشرعي نوعان كالتالي :
الحكم التكليفي : فيشمل الإقتضاء الذي هو الطلب للفعل أو للترك الجازم منهما.
الحكم الوضعي : فيشمل جعل الشارع الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً.
أ - أما بالنسبة لحكم الأصل في البصمة الوارثية فيسري عليها ما يسري على حكم الأصل في الأشياء ، فقد أختلف الفقهاء في حكم الأصل فيها على مذهبين كالتالي :
المذهب الأول : يرى أن الأصل الإباحة في تلك الأشياء النافعة التي لم يرد عن الشارع فيها حكم ، و هذا المذهب قائم على إستصحاب براءة الذمة و يقوم على مبدأ سلطان الإرادة في الإسلام.
المذهب الثاني : يرى أن الأصل هو الحظر و المنع في كل تصرف مستحدث حتى يقوم الدليل على مشروعيته ، و هذا المذهب قائم على أن الإرادة ليس لها سلطان في إنشاء أو إبرام ما تشتهيه أو ما تريد.
هذا كنظرة عامة لأصل الأشياء أما أصل البصمة الوراثية كحكم ، فالبصمة الوراثية حدث جديد تلقاه الناس بقبول حسن ، كآية من آيات الله في الإنسان و رغبة في إظهار الحق ، إن لم يكن في ما مضى فتكون فيما يستقبل من زماننا الحاضر ، و هناك إجماع سكوتي و قولي على مشروعية البصمة الوراثية.
ب - أدلة من قالوا بأن الأصل في البصمة الوراثية المنع و أستندوا إلى الكتاب و السنة و المعقول كالآتي :-
1 - أما دليلهم من الكتاب فمنه قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ) ، و وجه الدلالة : أن الآية الكريمة نصت على إكتمال الدين بأحكامه التي لا نقص فيها ، و إدعاء وجود مكتشفات و تصرفات جديدة إتهام للشريعة بالنقص.
2 - و أما دليل السنة فمنه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و إن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق و شرط الله أوثق ، و وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه و سلم نص على بطلان كل شرط لم يرد نص على جوازه ، و هذا عام في كل تعامل مستحدث.
3 - أما دليل المعقول فمنه أن التعامل بالبصمة الوراثية تعامل في خلايا الإنسان ، و الإنسان له حرمة بنص الآية الكريمة : ( و لقد كرمنا بني آدم ).
# و ردنا على هذه الأدلة كالتالي :
1- دليل الكتاب ، ليس في الآيات التي أستدلوا بها ما يدل على تحريم ما يستحدثه الناس من تصرفات و عقود على سبيل الإطلاق في قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ) تثبت كمال الدين بأحكامه الجزئية و قواعده الكلية ، فكل تصرف مستحدث يدخل تحت القواعد الكلية و بذلك تكون الآية حجة عليهم ، لأنها تشمل أحكام الوقائع الحالية و المستقبلية.
2 - دليل السنة ، ليس في الحديث الذي أستدلوا به على التحريم إستحداث تصرفات أو وقائع على سبيل الإطلاق ، فقوله صلى الله عليه و سلم ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، إنما هو في الشروط أو التصرفات التي تخالف صراحةً ما ورد بنصه في كتاب الله تعالى ، أما المستحدثات من الوقائع و التصرفات و الشروط التي لا تعارض نصاً أو قاعدة شرعية فلا يقال ببطلانها.
3 - دليل المعقول ، القول بأن التعامل بالبصمة الوراثية يتعارض مع تكريم الإنسان غير صحيح ، لأن الإسلام هو الذي أستن الحلق و التقصير ، و حث على تقليم الأظافر و شرع الختان ، و أمر بالتدواي و لو كان بتراً لعضو فاسد و في كل ذلك إهدار للخلايا البشرية ، و لا يعتبر هذا هدراً لقيمة و تكريم الإنسان بل على العكس ، يعد تكريماً للإنسان بمعالجته و تهذيبه.
ج - أدلة من قالوا بأن الأصل في البصمة الوراثية الإباحة و أستندوا إلى الكتاب و السنة و المعقول كالآتي :-
1 - أما دليلهم من الكتاب فمنه قوله تعالى : ( ما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) ، و وجه الدلالة : أن الآية الكريمة تخبرنا أن الله تعالى لا يدخل قوماً في الضلالة و المعصية بعد التوحيد و الإسلام ، حتى يبين لهم المعاصي و موجبات الضلالة أي لا يكون فيما يدخلون فيه قبل البيان ضلالة أو معصية فلا يكون حراما.
2- أما دليلهم من السنة فمنه عن عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ، و المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً ، و وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه و سلم أعتبر التصالح بين الناس ، و إنما خص المسلمين بالذكر لأنهم المعتبرون في الخطاب المنقادون لأحكام السنة و الكتاب ، و ظاهره عموم صحة الصلح سواءً أكان قبل إتضاح الحق للخصم أم بعده إلا ما أستثناه الحديث ، كما أفاد الحديث أيضاً لزوم الشرط إذا شرطه المسلم و أن المسلمين ثابتين على شروطهم واقفون عندها إلا ما حرم حلالاً أو أحل حراماً ، و لا تعدو البصمة الوارثية خارجة و لا تخلوا من كونها صلحاً أو شرطاً أو عقداً أنطبق عليه الحكم بالجواز في حكم الأصل إلا إن يؤدي إلى حرام فيحرّم.
3 - أما دليلهم من المعقول فمنه أن الأصل في البصمة الوراثية و غيرها و كل مستحدث لم يرد بشأنه نهي خاص ، و كان كل ما يشتمل على مصالح و منافع للناس ، الأصل فيه الإباحة من وجوه عدة ، أذكر منها وجهين :
الوجه الأول : أن تحريم ما لم يرد بشأنه نص يعتبر من باب التكليف بدون بيان ، و هو تكليف بما لا يطاق و هو أمر قبيح تعالى الله عنه علواً كبيراً.
الوجه الثاني : أن البصمة الوراثية تعتبر في حكم المنصوص على طلبها ، و حسبنا قوله تعالى : ( و في أنفسكم أفلا تبصرون ).
# الرأي الراجح في المسألة :
يتضح مما سبق بعد عرض أدلة الفريقين و مناقشتها ، قوة ما ذهب إليه جمهور العلم من مشروعية العمل بالبصمة الوراثية ، إعتباراً بالإباحة الأصلية و لما ذكروه من أدلة غير معارضة ، في الوقت الذي أبطلنا فيه حجج المخالفين.
2 ) منزلة البصمة الوراثية في العلم :-
البصمة الوراثية إحدى نتائج علم الوراثة ، و هو علم جديد ظهر في بداية هذا القرن و كان لا يزال في بعض الدول المختلفة فرع من علم التشريح في كليات الطب ، هذا كنظرة عامة لمنزلة البصمة الوراثية في العلم لكن ماذا عن منزلتها في العلم الشرعي ، حجج من يرى أن علم البصمة الوراثية و نحوه علم حياتي و ليس علماً شرعياً.
أ - أدلة من أعتبروا بأن البصمة الوراثية الإباحة و نحوه من العلوم الحياتية :-
1 - دليلهم من الكتاب فمنه قوله تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ) ، و قال تعالى : ( و قل رب زدني علماً ) ، و قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات ).
2 - دليلهم من السنة فمنه حديث معاوية بن أبي سفيان ، مرفوعاً : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، و كذلك حديث عبدالله بن عمرو ، مرفوعاً : العلم ثلاثة و ما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة.
3 - دليلهم من المأثور فمنه فقال أبو مسلم الخولاني : مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء ، إذا بدت للناس أهتدوا بها و إن خفيت عليهم تحيروا.
# الآثار المترتبة عن هذا الإعتبار :
1 - لا يطلق على صاحبه في الإصطلاح الشرعي لقب عالم ، فعند إطلاق هذا اللقب فإنما يراد شرعاً العالم بالرواية.
2 - لا يحظى المشتغل به بالفضائل الواردة في الكتاب و السنة و المأثور لطالب العلم الشرعي ، و هو أمر بسببه عزف الكثير من نوابغ المسلمين على تحصيل هذا العلم الحياتي ، بل قام بعضهم بتغيير مساره لما يسمى بالعلوم الشرعية.
3 - يخضع المشتغل به لأحكام المعايش في الحياة ، بمعنى أن الأصل فيه الإباحة و لا تجب إلا بعارض و لا تحرم إلا بعارض.
# و ردنا على هذه الأدلة كالتالي :
1 - الآيات القرآنية كلها تحث على العلم مطلقاً و لم تفرق بين العلم الكوني و علم الرواية ، بل أن بعض هذه الآيات وردت بمناسبة آيات كونية.
2 - الأحاديث النبوية كذلك جائت تحث على العلم مطلقا ، و الإشتغال بالعلوم الكونية يساعد على فقه الدين.
3 - المأثور في مدلول العلم الشرعي فقد كان ضرورة في هذه الحقبة من الزمن ، الإسلام لا يزال في مهده و لم تكن الحياة قد تفتحت بعلومها حتى تحتاج إليه ، بل عندما شاع أن الإعجاز في القرآن إنما هو إعجاز لغوي تسارع السلف لفهم اللغة و دراستها لبيان هذا الإعجاز.
4 - أن القول بخروج علم الحياة و الكون عن العلم الشرعي ، يتعارض و يتناقض مع توجه الفقهاء الشرعيين من القول بوجوب تعلم حرفة للإكتساب.
ب - أدلة من أعتبروا بأن البصمة الوراثية الإباحة و نحوه من العلوم الشرعية كالآتي :-
1 - دليل الكتاب فمنه في قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ) ، و قد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة لا يمكن تدبرها إلا بالعلوم الكونية ، و لم يكن السلف مكلفاً بها لعدم معرفته إياها لأن سنة الله في الأرض التدرج في التشريع و في نماء المعلومات ، من تلك الآيات قوله تعالى : ( و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ، و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر و الليل سابق النهار و كل في فلك يسبحون ).
2 - دليل السنة فمنه الحديث المتعرض لأحد الحقائق الكونية حديث عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح فيؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه و عمله و أجله و شقي أو سعيد.
3 - دليل المعقول فمنه التالي :
أ - أنها علوم نافعة ، و يتحقق بها مصالح للعباد ، و الشريعة تدور مع المنفعة و المصلحة وجوداً و عدماً في الجملة.
ب - أن هذه العلوم تمكننا من إقامة الشريعة دون مشقة أو عناء ، فبالعلوم الكونية أستطاع المسلمون إختراع الساعة و تحديد مواقيت الصلاة بعد أن كانت تعرف بالحدس.
ج - أن هذه العلوم الكونية تعد في حكم الوسيلة لفهم نصوص الكتاب و السنة فكانت في حكم قواعد القراءة و الكتابة ، فإذا كان تعلم القراءة يمكننا من قراءة المصحف فإن تعلم العلوم الكونية تمكننا من فهم و تدبر كثير من آيات المصحف.
د - أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
# الآثار المترتبة عن هذا الإعتبار :
1 - تعميم مفهوم العلم الشرعي يشمل الرواية و الدراية و الحقائق الكونية في البر و البحر و الجو.
2 - يحظى المشتغل بتلك العلوم بحسن نيته على فضائل علم الرواية الواردة في الكتاب و السنة.
3 - يكون حكم تعلمها للعامة الندب على سبيل الأصل ، و فرض كفاية للأمة بحيث يجب أن لا تخلو الأمة الإسلامية من متخصصين فيها.
3 ) البصمة الوراثية و رأي القانون و فقهائه و رؤية قانونية تجاهها :-
تعد البصمة الوراثية دليلاً فنياً يأخذ به القانون لذا لا بد من معرفة ماهية الدليل الفني كي نتطرق للسند و الرأي القانونيان الذان يأخذان بها ، الدليل بصفة عامة هو كل ما يمكن التوصل به إلى العلم بشيء لم نكن نعلمه ، فهو ما يبين لنا طريق حقيقة الأمر و إثبات صحة ما ظهر منها من عدم صحته ، و كل دليل يحتاج إلى الخبير بالعلم و المهارة في آن واحد و هو ما يساعد القاضي على الوصول إلى الحكم السليم ، حيث له أن يستعين بخبير الطب الشرعي لتوضيح ما قد يغمض من حقائق تتعلق بالأمور الطبية التي طالما وضحت من لدن الخبير بها علماً و عملاً تم إستجلاء الحقائق و ظهر للقاضي عدل قضائه ، البصمة الوراثية كدليل فني تعد هي اللبنة الأولى من الجينات الوراثية التي تعبر عن شخصية كل فرد على حده و بكل دقة فنية ربانية متوفرة في كل جزء بل كل جزيء من كل خلية من خلايا جسم الكائن الحي ، فهي دليل وراثي يظهر في الفروع حملاً عن الأصول ، و البصمة الوراثية من الأعمال الفنية التي يصعب على القاضي القيام بها من تلقاء نفسه مع أنه لا يقف عليها بمفردها للحكم ، و إنما هناك العديد من الوسائل الأخرى كالشهادة و المواجهة و الإعتراف و العديد من الوسائل الأخرى الموضحة لما غمض من حقائق و قد تتفق أو تختلف مع الحقيقة الثابتة فمنها ما يعتمد عليه كسبيل للحقيقة ، و منها ما يخالف الحق فيستبعده القاضي من تقديره لحقيقة الوضع المعروض أمامه ، حيث أنه يعمل على محاولة مطابقة ما توصل إليه من أدلة مع ما يكشفه من حقائق و هو هدف العمل القضائي ، و تعد البصمة الوراثية أحد أوجه جمع الأدلة بطريق ندب الخبير فقد تكون البصمة الوراثية هي أحد أقوى العوامل التي يبني عليها القاضي إعتقاده في النظر في الدعوى المرفوعة أمامه ، حيث قد تشكل عليه بعض الأمور التي لم يجد لها حل إلا إذا عرفت حقيقتها الفنية من أصحاب الخبرة بها ، و كل خبير حسب مجال خبرته سواءً في الخطوط لإكتشاف التزوير مثلا.
بعد هذا نتطرق للسند القانوني للبصمة الوراثية كدليل فني حسب ما نص عليه كلا من التشريعين السعودي و المصري على مدى ضرورة إستدعاء الخبير كلما أقتضى الأمر ذلك ، و هو ما ورد بنص المادة السادسة و السبعين من نظام الإجراءات الجزائية السعودي بقولها ( للمحقق أن يستعين بخبير مختص لإبداء الرأي في أي مسألة متعلقة بالتحقيق الذي يجريه ) ، و كما ورد ذات المعنى بنص المادة الخامسة و الثمانين من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها ( إذا أستلزم إثبات الحالة الإستعانة بطبيب أو غيره من الخبراء يجب على القاضي تحقيق الحضور وقت العمل و ملاحظته .. ) ، فكل مسألة فنية في الدعوى تحتاج إلى الخبير بها لتحليل الموقف الغامض لبعض الأدلة إن لم يكن الدليل الوحيد ، كما للمحكمة أيضاً أن تعين خبير أو أكثر في الدعوى لتوضيح ما قد يغمض عليها من أمور فنية في ساحة القضاء و أمام الجميع و هو ما ورد بنص المادة الثانية و السبعين بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية السعودي بقولها ( للمحكمة أن تندب خبير أو أكثر لإبداء الرأي في مسألة فنية متعلقة بالقضية .. ) ، و كما ورد ذات المعنى بنص المادة الثانية و التسعين بعد المائتين من قانون الإجراءات الجنائية المصري بقولها ( للمحكمة سواءً من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب من الخصوم أن تعين خبيراً واحداً أو أكثر في الدعوى ) ، و بناءً على ذلك تقرر النصوص للمحكمة السلطة التقديرية في إنتداب الخبير سواءً وفق رأيها أو لطلب أحد الخصوم ، فالقضاء دائماً لا يقام إلا على الإثبات حتى يستطيع القاضي قيام الحجة القوية التي يتطلبها القانون للإدانة أو البراءة ، فإذا لم توجد البينة التي تعد الدليل الواضح على الجاني تصعب محاكمته محاكمة عادلة ، كما أن القضاء ملزم بالبحث عن الحقيقة و تحري الدقة في ذلك فمن الواجب ندب الخبير في الأمور الفنية مثل رفع البصمة من الآثار الموجودة بمسرح الجريمة فالقضاء في رأينا ليس في حاجة إلى نص يعطيه الحرية في طلب الخبير أو أنه ينتظر طلبه من أحد الخصوم.
نصل لمرحلة الرأي القانوني فالعمل القضائي لا بد له من مساعد يعمل على إرشاده في بعض ما دق و صعب عليه في نظام الإثبات و تمييز ما يباح و ما يمنع ، و البصمة الوراثية بالفعل من المميزات الخلقية التي حبانا بها الله سبحانه و تعالى ليتميز بها كل شخص عن غيره من الأشخاص في حقيقة خلقه و بنيان جسده من أعضاء و جزئيات و خلايا دقيقة حسب إرادة الله تعالى ، و مع ذلك نقول أن للقاضي الحرية في الإقتناع بما أتى به الخبير أو طرحه جانباً إذا أستنتج أنه مما لا يوافق العقل وفق ملابسات الدعوى الظاهرة حسب حسه القانوني ، و البينة المستند إليها في القضاء يجب أن تكون مستقاة من دليل مادي أو قولي و نعد البصمة الوراثية من سبيل الأدلة المادية ، كما أنها من نوع البينة العادلة التي يتطلب توافرها لتمحيص الدعوى ، فالبصمة دليل فني له معيار فني لعمل الخبير يلتمس القاضي منه الحقيقة ، لما يظهر فيه من تفسير أو تحديد مدى مصداقية ما ظهر من وقائع الدعوى ، و بناءً على ذلك قد تكون البصمة الوراثية دليل إثبات على المتهم إذا كشفت عن حقائق تقف إلى جانب غيرها من الأدلة أو الدلائل المستنتجة من وقائع الدعوى حتى تلقي بالتهمة على عاتق المتهم الماثل أمام المحكمة ، و قد تكون البصمة الوراثية دليل فني و ليس إثبات ، حيث توضح مدى البعد بما تم حصره من أدلة أو غيرها من المتهم محل المحاكمة ، و إذا كان من الأدلة ما يرتب الإتهام و منها ما يتمتع بقدر من القوة مما يجعله أقوى الأدلة على الإدانة فإننا نعد البصمة الوراثية من أنواع الأدلة التي ترقى بدورها إلى سلم أدلة الإدانة إذا توافر ما يدفع القاضي إلى تقدير ذلك ، بهذا أنهي الحديث عن الجزء الثالث من مقالات " البصمة الوراثية و دورها في الإثبات القانوني " .
موقف القانون المقارن من إستخدام البصمة الوراثية في الإثبات "
1 ) منناحية شرعية :-
حسبما ما أقره مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسةعشر التي أنعقدت في مكة المكرمة في الفترة المنصرمة من 21 - 26 شوال 1421 هــالموافقة للفترة من 5 - 10 يناير 2002 م ، حسبما أقره من قرارات و توصيات بشأنالبصمة الوراثية و مجالات الإستفادة منها ، فإن المجلس بعد النظر إلى التعريف الذيسبق للمجمع إعتماده في الدورة الخامسة عشر ، و نصه : ( البصمة الوراثية هي البينةالجينية : نسبةً إلى الجينات أي المورثات ، التي تدل على هوية كل إنسان بعينه ، وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيلمهمة الطب الشرعي ، و يمكن أخذها من أي خلية بشرية من الدم ، أو اللعاب ، أو المني، أو البول أو غيره ) ، و بعد الإطلاع على ما أشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفهاالمجمع في الدورة الخامسة عشر بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمةالوراثية ، و الإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء و الأطباء والخبراء ، و الإستماع إلى المناقشات التي دارت حوله ، تبين من ذلك كله أن نتائجالبصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسب الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما، و في إسناد العينة من الدم أو المني أو اللعاب ، التي توجد في مسرح الحادث إلىصاحبها ، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبهالجسماني بين الأصل و الفرع ) ، و أن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيثهاهي و إنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث و نحو ذلك.
# و بناءً علىما سبق قرر ما يأتي :-
أولاً :
لا مانع شرعاً من الإعتماد على البصمةالوراثية في التحقيق الجنائي و إعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حدشرعي و لا قصاص لخبر القاعدة الفقهية الشهيرة ( أدرأوا الحدود بالشبهات ) ، و ذلكيحقق العدالة و الأمن للمجتمع ، و يؤدي إلى نيل المجرم عقابه و تبرئة المتهم ، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.
ثانياً :
إن إستعمال البصمة الوراثيةفي مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر و الحيطة و السرية ، و لذلك لا بد أنتقدم النصوص و القواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
ثالثاً :
لايجوز شرعاً الإعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب و لا يجوز تقديمها علىاللعان.
رابعاً :
لا يجوز إستخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد منصحة الأنساب الثابتة شرعاً ، و يجب على الجهات المختصة منعه و فرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس و صوناً لأنسابهم.
خامساً يجوزالإعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :
(أ) إثبات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواءًأكانت تنازع على مجهول النسب لسبب إنتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسبب الإشتراكفي وطء الشبهة و نحوه.
(ب) حالات الإشتباه في الميلاد في المستشفيات و مراكزرعاية الأطفال و نحوها ، و كذا الإشتباه في أطفال الأنابيب.
(ج) حالات ضياعالأطفال و إختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوراث أو الحروب ، و تعذر معرفة أهلهم ، أووجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.
سادساً :
لا يجوز بيع الجينوم .. البشري لجنس ، أو لشعب ،أو لفرد ، لأي غرض ، كما لا تجوز هبتها لأي جهة لما يترتب على بيعها أو هبتها منالمفاسد.
سابعاً يوصي المجمع بما يأتي :
(أ) أن تمنع الدولة إجراءالفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء ، و أن يكون في مختبرات للجهاتالمختصة ، و أن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزوالة هذا الفحص ، لما يترتبعلى ذلك من المخاطر الكبرى.
(ب) تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة ،يشترك فيها المتخصصون الشرعيون و الأطباء و الإداريون ، و تكون مهمتها الإشراف علىنتائج البصمة الوراثية ، و إعتماد نتائجها.
(ج) أن توضع آلية دقيقة لمنعالإنتحال و الغش و منع التلوث و كل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمةالوراثية ، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع ، و أن يتم التأكد من دقة المختبرات ، وأن يكون عدد المورثات ( الجينات المستعملة للفحص ) بالقدر الذي يراه المختصونضرورياً دفعاً للشك.
2 ) من ناحية قانونية :-
أدى العمل بالبصمةالوراثية و إستخدامها إلى ظهور مشاكل كان لا بد من تداركها ، و تم عمل ذلك من خلالتولد قواعد قانونية متعلقة بتجربة العمل في إستخدام البصمة الوراثية برزت بشكل ملفتمن بد كل القواعد الأخرى و أسهب صاحب كتاب بحث العلم و القانون و محقق الهويةالأخير " البروفسور الشهير إريك لاندر " في إيجازها و الإسهاب في الحديث عنها فيرأي قانوني لفقيه شهير في مجال البصمة الوراثية بدليل شهرة كتابه الآنف الذكر علىمستوى العالم ، و هذه القواعد البارزة تكون كالتالي :
القاعدة الأولى : القبول العام لأهل الاختصاص :
و تعرف هذه القاعدة بقاعدة فراي ، و هي قاعدةأصدرتها محكمة فدرالية سنة 1923 م عند محاكمة جيمس فراي ، و هو شاب أسود أتهم بقتلرجل أبيض في واشنطن دي سي ، و طالب محاميه المحكمة أن تقبل نتائج إختبار ضغط الدمالإنقباضي دليلاً على ذلك ، و هو صورة مبكرة لكشف الكذب ، و بناءً على القاعدةالعامة التي تسمح للخبراء بأن يدلوا بشهادتهم في مواضيع خبرتهم أو معارفهم ، و لماكان جهاز كشف الكذب عندئذٍ تكنولوجيا جديدة فقد وضعت المحكمة قاعدة إستدلالية أكثرصرامة ، تقول : ( يصعب أن نحدد متى يعبر المبدأ العلمي الخط الفاصل بين مرحلةالتجريب و بين مرحلة الثبوت و التطبيق ، في مكان ما من منطقة الغبش هذه لا بد أنتدرك القدرة الإستدلالية للمبدأ العلمي ، ستمضي المحاكم طويلاً تسمح بشهادة الخبراءالمرتكزة على مبدأ علمي أو كشف حسن التحقيق ، لكن ما ترتكز عليه الشهادة لا بد أنيكون مرسخاً ليحظى بقبول عام في المجال الذي ينتمي إليه ) ، و من هذا النص يتضح أنالمحكمة رفضت قبول نتائج كشف الكذب إعتقاداً أن جهاز كشف الكذب لم يكن يحظى بالقبولالعام لأهل الإختصاص ، و هذه القاعدة القبول العام في المجال الذي ينتمي إليه هيالتي سمحت للمحاكم الأمريكية الأخذ ببصمة الحمض النووي ، لأن تحديد الحمض النوويمقبول على نطاق واسع في التطبيقات الطبية ، و الحمض النووي ثابت تماماً لا يتغير فيكل خلايا الجسم ، و هو مغاير للحمض النووي لخلايا الآخرين ، و التطابق الإيجابيمستحيل ، و في تقرير لشركة لايفكودز كتطبيق عملي لهذه القاعدة في إختبار الحمضالنووي في إحدى قضايا القتل عام 1988 م ، نص على أن الدم الموجود على الساعة التيكانت في يد المتهم يتوافق مع دم الأم القتيلة ، و أن تكرار نموذج شرائط الحمضالنووي هو واحد في المائة مليون في العشيرة الإسبانية في الولايات المتحدةالأمريكية.
القاعدة الثانية : اختبار الموضوعية :
و المقصود بهذهالقاعدة معاودة إختبار الحمض النووي في أكثر من موضع منه للتيقن من نتائجه ، و أنتضاعف عينة إيجايبية للمقارنة ، و هذه القاعدة ربما تبدو يسيرة من الناحية النظريةإذ يتصور تحت الظروف المعملية المثلى أن العينات طازجة و نظيفة و من شخص واحد ،فإذا ظهر ثمة تشكك في النتائج أخذت عينات جديدة و أعيد الإختبار و هو أمر يرفع منمعدل دقة الإختبارات ، كما أن العمل جرى في الشركات المتخصصة بوضع حرارة خاصة لعينةالمقارنة ، إنما في الواقع العملي فإن بصمة الحمض النووي تكون حقاً مشكلة و تظهرمصاعبه في الطب الشرعي المختص بالجرائم ، إذا ليس أمام البيولوجي إلا العمل على ماعثر عليه من عينات في موقع الجرائم ، و ربما كانت هذه العينات قد تعرضت إلىإعتدائات بيئية ، فقد تكون قد تحللت و قد تكون مزيجاً من عينات من أفراد عدة ، كمايحدث في حالة الإغتصاب المتعدد كثيراً ما لا يجد البيولوجي الشرعي إلا ميكروجرامواحد أو أقل من عينة من الحمض النووي ، أي ما يكفي لإجراء إختبار واحد لا أكثر ،فإذا لم تكن نتيجة الإختبار حاسمة لن يسهل أن يكرر الإختبار ، و يحكي إريك لاندرأنه أشترك بصفته شاهداً خبيراً في قضية نيويورك ضد كاسترو حيث قتلت بوحشيةفيلمابونس و ابنتها البالغة من العمر سنتين في شقتها في برونوكس ، و كانت متزوجةزواجاً عرفياً و ألقى زوجها التهمة على بواب العمارة جوزيه كاسترو ، تلاحظوجودبقعة دم صغيرة على ساعة يد كاسترو أرسلت إلى شركة لايفوكودز لإختبار الحمض النووي ،و ردت الشركة بأن الدم الموجود على الساعة يتوافق مع دم الأم القتيلة ، و فيالتحقيق الأولي عن مدى قبول البينة من الحمض النووي ظهرت مشاكل عديدة فنية أنتهتإلى أنه كان من المفروض تكرر التجربة ما دام قد ظهر إلتباس ، غير أنه عندما بدأتالمحاكمة كان الحمض النووي الموجود على الفلتر قد أستهلك و لم يعد ممكناً تكرارالعمل ، و كان حكم القاضي في النهاية أن بينة بصمة الحمض النووي مقبولة من ناحيةالمبدأ ، لكن التحليل في هذه القضية لم يتبع المباديء المقبولة ، و حكم بأن بينةالحمض النووي عن التوافق بين الدم الموجود على الساعة و بين دم القتيلتين بينة غيرمقبولة قانونية ، ثم يقول إريك لاندر : أن من بين الأمور المهمة التي أبرزتها قضيةكاسترو تأكيدها أن النظر وحده لا يكفي بل لا بد أن تجرى القياسات الكمية و تضاعفعينة إيجابية للمقارنة.
القاعدة الثالثة : الوقوف على طبيعة عدة التقنية :
يتطلب إستخدام بصمة الحمض النووي أيضاً معلومات غاية في الدقة عن طبيعةعدة التقنية ، و توضح تلك القاعدة قضية إغتصاب طفل ، و هي قضية مين ضد ماكلويد ، فيهذه القضية بدا أن الحمض النووي للمتهم و عينة السائل المنوي متماثلان ، لكن نمطيالتشريط كانا مزحزحين عمودياً كل منهما بالنسبة للآخر ، كما يقول التحليل الذي قامتبه شركة لايفوكدز ، قد يشير مثل هذا الإختلاف إلى أن العينتين جائتا عن فردينمختلفين ، أو أنه نتيجة لظاهرة تسمى زحزحة الشرائط حيث يحدث أحياناً في المجالالكهربي أن تهاجر عينة أسرع من أخرى بسبب إختلاف في تركيز العينة ، أو تركيز الملح، أو وجود ملوثات أو غير ذلك من أسباب ، و بهذا تبدو الشرائط و قد تزحزت إلى مواقعأخرى ، و لكي نقرر الصحيح من الإحتمالين علينا أن نحلل العينات بإستخدام مسبر للحمضالنووي من موقع ثابت ، مونومورفي ، موقع لا يتغير بين أفراد العشيرة يحمله كل فرد ،فإذا وقعت النماذج المونومورفية في نفس المكان قلنا : أنه لم تكن ثمة زحزحة للشرائط، و لنا إذن أن نفسر الفروق بين النماذج البوليمورفية على أنها حقيقة فعلاً ، أماإذا كانت النماذج المونومورفية قد تزحزحت بنفس القدر الذي تزحزت به النماذجالبوليمورفية ، فلنا أ، نستنبط أن الشرائط قد تزحزت حقاً ، فنحاول أن نصحح الأثر ،يقول إريك لاندر : لقد عرضت قضية ماكلويد مشاكل تصحيح ظاهرة الشرائط بطريقة مسرحية، تمت التحقيقات خلال أسبوع واحد ، قامت شركة لايفوكدز يوم الإربعاء بعرض موقعمونومورفي واحد تزحزح بمقدار 3.15 % و شهدت بأن هذا التزحزح النسبي لا بد أن يكونثابتاً على طول الجين ، و على أساس هذا التزحزح تكون العينتان متوافقتين ، و في يومالخميس واجه الدفاع الشاهد بسجلات المعمل ذاتها التي تبين أنه قد أستخدم مسبراًمنومورفياً آخراً أشار إلى زحزحة قدرها 1.72 % إذا أستخدمنا هذا المسبر الأخير فإنالعينتين لا تتوافقان ، في يوم الجمعة كانت القضية واضحة أمام القاضي ، و في يومالسبت ، و قبل أن ينادي على شاهد واحد ، سحبت أدلة الحمض النووي ، و أسقطت كلالإتهامات الجنائية ، على الرغم من أن زحزحة الشرائط ظاهرة معروفة جيداً ، و إذاحدثت تلك الظاهرة في بحث أو فحص طبي و نتج عنها إلتباس خطير فإننا ببساطة نكررالتجربة ، و ليس لدينا في التطبيقات القانونية مثل هذا الترف.
القاعدةالرابعة : الحذر من التكنولوجيا المتطورة :
يقول إريك لاندر : من الحكمة أننحترس من الثقة الزائدة في التكنولوجيا فضلاً عن الإستخدام المتحيز لها ، إنللتكنولوجيا الجديدة ميلاً إلى أن تخلق متطلبات جديدة ، و كلما أزدادت قدرةالتكنولوجيا من ناحية المبدأ - تكنولوجيا مثل بصمة الحمض النووي - قل على الأغلبتفحصها كما يجب و الإعتراض عليها عند التطبيق ، علينا أن نكون في غاي الحذر بالذاتبالنسبة لهذه البتكنولوجيا الأكثر قدرة و الأكثر قيمة ، و إلا أنقلبت بشكل يزعجتسامحنا تجاه العمل دون النظر إلى معياريته ، الواقع أن هذا بدأ فعلاً بالنسبةلبصمة الحمض النووي ، ثمت محامون للدفاع يحاولون أن يقبلوا لأجل مصلحتهم تحاليلالحمض النووي التي يتولاها الإدعاء ، مدعين أن ما بها من إختلافات طفيفة تبريءعملاءهم ، و لحسن الحظ فإن تعيين الهوية ببصمة الحمض النووي تحسن بإستمرار من ناحيةبسبب تحسن التكنولوجيا ، و من ناحية أخرى بسبب كل ما يبذل من مجهودات و كل ما تطرحهالممارسة العملية من مشاكل ، و لعل الدرس الذي لقنته التكنولوجيا المتطورة هو نصبالعداء بين الحسن و الأحسن ، بهذا أنهي الحديث عن الجزء الرابع من مقالات " البصمةالوراثية و دورها في الإثبات القانوني " .
منهجية و مشروعية تطبيق البصمةالوراثية "
1 ) منهج تحديد البصمة الوراثية:-
يقول إريك لاندر : أن المنهج الأساسي لتحديد بصمة الحمض النووي بسيط للغاية ، حيث يستخلص الحمض النوويأولاً من إحدى عينات الدليل و من دم المتهم ، ثم يقطع الحمض النووي فل كل منالعينتين إلى ملايين الشظايا بإستخدام أنزيم تحديد يبتر عند تتابعات بذاتها ، تفردالشظايا بعد ذلك عن طريق التفريد الكهربي بالجين ، إذا تحمل كل عينة على رأس حارةخاصة على الجين ، و تعرض لمجال كهربي يجري على طول هذا الجين فتتحرك شظايا الحمضالنووي بسرعات تختلف بحسب حجمها ( الشظايا الأصغر تتحرك بشكل أسرع من الشظاياالأكبر ) في نهاية العملية تفصل شظايا الحمض النووي في كل حارة بحسب الحجم ، ينتقلالحمض النووي بعد ذلك فوق قطعة من الورق تسمى الغشاء ، و تثبت لتصبح جاهزة للتحليللكي نظهر شظايا الحمض النووي المناظرة لأي موقع على الكروموسوم لا بد أن نستخدممسبراً مشعاً يحمل من الحمض النووي تتابعاً قصيراً من هذه المنطقة ، يغمر الغشاءبالمسبر المشع فيقترن بالتتابعات المكملة ، ثم يعرض الغشاء لفلم أشعة سينية طوالالليل لنرى أين أقترن المسبر المشع ، تميز هذه المواقع بظهور شرائط أنيقة قاتمةاللون تسمى ( الصورة الإشعاعية الذاتية ) تشكل الشرائط نموذج الحمض النووي لعينةالموقع الذي نحن بصدده ، تجري المقارنة بالنسبة لكل موقع لنرى ما إذا كانت نماذجالحمض النووي للعينة ( عدد الشرائط و مواقعها بالضبط ) تتوافق مع نظيراتها في كراتالدم البيضاء المأخوذة من دم المتهم ، إذا لم تتوافق النماذج عند كل موقع فإنهاتكون مأخوذة من مصادر مختلفة ( إلا إذا كان ذمة خطأ تقني ) ، فإذا ما كانت النماذجتتوافق فعلاً عند كل موقع قلنا : أنها قد تكون من نفس المصدر ، نعني أنها تستقيم معالفرض بأنها من نفس المصدر ، على الرغم من إحتمال أن تكون من أفراد مختلفين لهمبالمصادفة نفس أنماط هذه المواقع بالذات ، فإذا عثرنا على توافقات لعدد كافٍ منالمواقع قلنا أن العينات لنفس الشحص ، و تستغرق هذه الطريقة حوالي خمسة أيام ، و قدتمتد إلى ثلاثة أسابيع وفقاً للطرق المختارة في تصنيف الحمض النووي.
2 ) ضوابط العمل بالبصمة الوراثية بها شقان هما الجانب الشرعي و العملي أوردهما كالتالي :-
(أ) الضوابط الشرعية :
تتحقق الدقة في العمل الجنائي بإتخاذالسبيل إلى تطبيق شرع الله إعتماداً على الكتاب و السنة بصفة خاصة في الأعمال التيترتب إدانة أي من الأشخاص ، و حلف الخبير أمام المحقق بمثابة عهد منه على الوفاءبعمله ، و هو مما يتطلب الوفاء به في فحص البصمة الوراثية ، و هو مسؤول عن ما يدونهفي تقريره لما تسفر عنه نتائج الفحص و هذه المسؤولية ما يقع على عاتق البشر بأمر منالخالق سبحانه و تعالى في قوله تعالى : ( و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسنحتى يبلغ أشده و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) ، لذا فإن حلف اليمين منالأمور المتطلبة حتى يتذكر أنه صاحب أمانة لا بد من أدائها إلى أصحابها أولهم اللهسبحانه و تعالى ، حتى يتحرى الحق بكل دقة و يبعد عن الزور الذي أمرنا بالإبتعاد عنهلقوله تعالى : ( ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه و أحلت لكم الأنعامإلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور ) ، و بعد أنيلتزم الخبير الأمانة في أداء العمل الفني فإنه يتطلب تقديم تقرير الخبير للبصمةالوراثية كتابة حتى تكون معلوماته مؤكدة لا خلاف فيها و لا تتغير بمرور الوقت ، كماأنها أمراً من الله سبحانه و تعالى لإثبات الحق في قوله تعالى ( يا أيها الذينآمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه .. ) ، كما جرى العمل بها لأمر الرسولالكريم صلى الله عليه و سلم و إتخاذه كاتب له ، حيث كان يتخذ علي و زيد ابن ثابترضي الله عنهما كتاباً له ، و يكتب التقرير بأمانة كما هو بكامل المعلومات دون حذفأو إضافة ، و قد شمل نص المادة السابعة و السبعين من نظام الإجراءات الجزائيةالسعودي ببعض تلك الضوابط المنحصرة في شرط الكتابة لقولها ( على الخبير أن يقدمتقريره كتابةً في الموعد الذي حدد من قبل المحقق .. ) ، و لا يوجد نص مما يحث علىحلف اليمين و إن كان موجوداً بنصوص الشريعة الغراء ، و التي هي دستور المملكةالعربية السعودية ، كما ورد بذات المعنى في نص المادة السادسة و الثمانين من قانونالإجراءات الجنائية المصري الشروط الواجب توافرها في عمل الخبير حيث ورد بالنص أنه ( يجب على الخبراء أن يحلفوا أمام قاضي التحقيق يميناً على أن يبدوا رأيهم بالذمة وعليهم أن يقدموا تقريرهم كتابة ) ، و مما يعطي تقرير الخبير القوة في الإثبات ، أنيتم تحليل البصمة الوراثية بناءً على أمر من الجهات القضائية المختصة ، و مما لا شكفيه أن النتائج المترتبة على عمل البصمة الوراثية لا بد لها أن تكون مما يوافقإعمال العقل و المنطق ، حيث لا يصح نسب جريمة القتل مثلاً لشخص لديهشلل و لو كانعارضاً ، طالما تمت الجريمة حال مرضه ، كما أن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ،لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشر المنعقدة في مكة المكرمة عام 1419 هــفي القرار الأول له بشأن إستفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية ، قام المجلسبوضع ضوابط أخرى لصحة العمل بالبصمة الوراثية ، حيث قرر ثالثاً أنه ( لا يجوزإستخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية و وسائله في الأغراض الشريرة و العدوانيةلكل ما يحرم شرعاً ) ، و قد قرر المجلس في الفقرة خامساً أنه ( لا يجوز إجراء أيبحث ، أو القيام بأي معالجة ، أو أي تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما ، إلا للضرورة ،و بعد إجراء تقويم دقيق و سابق للأخطار و الفوائد المحتملة و المرتبطة بهذه الأنشطة، و بعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعاً ، مع الحفاظ على السرية الكاملةللنتائج ، و رعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، القاضية بإحترام الإنسان وكرامته ) ، و تقرر ثامناً أنه ( يوصي المجلس الأطباء و أصحاب المعامل ، و المختبرات، بتقوى الله تعالى ، لإستشعار رقابته ، و
البعد عن الأضرار بالفرد و المجتمع و البيئة ).
(ب) الضوابط العملية :
أ - وجود مختبرات تابعة للدولة و مراقبتها لها.
ب - تجهيز المختبرات بأحدث الأجهزة و ذات أعلى دقة في النتائج ، حتى لا تقابل بالهجوم من أي جهة أخرى.
ج - وجود خبراء ذوي أمانة ، و صدق ، و عدل إلى جانب الخبرة ، و ممن يطلعون على أحدث تطورات البحث العلمي في مجال البصمة الوراثية.
د - عدم وجود صلة شخصية بين الخبير و الموضوع الذي يتولى القيام بفحص البصمة الوراثية فيه ، لعلاقة بأي من أشخاص الجريمة.
و قد أثير نقاش حول عدد من يقوم بالخبرة هنا ، حيث ذهب بعض الفقه إلى إشتراط أكثر من خبير واحد للعمل بالبصمة الوراثية ، و حجتهم في ذلك الشهادة كمثال ، تدليلاً لقوله تعالى : ( و أشهدوا إذا تبايعتم و لا يضار كاتب و لا شهيد و إن تفعلوا فإنه فسوق بكم و اتقوا الله و يعلمكم الله و الله بكل شيء عليم ) ، و لكنه رأي محل نظر في أن هذا الرأي السابق وضع البصمة الوراثية وضع الشهادة ، و لكنه عمل كأي عمل خبرة لا يتطلب له أكثر من خبير وفق ما ورد في نصوص النظامين السعودي و المصري ، كما أنه ليس بشهادة و إنما خبرة فالخبير لم يرى شيء كما في حال الشاهد ، و إنما خبرته العلمية هي التي أوصلته لما يعلم ، و إذا كان الأمر للإحتياط حتى لا يتلاعب فيها فإن الخبيرين أيضاً لهما أن يتفقا على التلاعب و لو كانوا أكثر أو أن يخفي أحدهما على الآخر ، و هو ما قام به سليمان في قصة المرأة التي صب في دبرها بيض و هي نائمة ، و قضى سليمان بأن يشوى فإذا أجتمع كان بيضاً و إلا كان منياً ، كما أوصى مجلس المجمع الفقهي في قراره الأول في دورته الخامسة عشرة ( بالإستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه ، أو تخفيف ضرره ، بشرط أن لا يترتب عن ذلك ضرر أكبر ) ، و أوصى المجلس رابعاً بأنه ( لا يجوز إستخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية و وسائله ، للعبث بشخصية الإنسان و مسؤوليته الفردية ، أو للتدخل في بنية المورثات " الجينات " بدعوى تحسين السلالة البشرية ) ، و في التوصية السادسة أنه ( يجووز إستخدام أدوات علم الهندسة الوراثية و وسائله ، في حقل الزراعة و تربية الحيوانات ، شريطة الأخذ بكل الإحتياطات لمنع حدوث أي ضرر - و لو على المدى البعيد - بالإنسان أو الحيوان أو البيئة ).
3 ) القيمة القانونية للبصمة الوراثية لها شقان أوردهما كالتالي :-
(أ) تقرير الخبير :
بعد أن تتم عملية فحص البصمة الوراثية من الناحية الطبية يقوم الخبير الفني المنتدب بعمل تقرير يفيد بما توصل إليه من جراء الفحص ، لذلك فإن الفائدة و القيمة القانونية لتقرير خبير البصمة الوراثية تكون بتوضيح عناصر محددة سلفاً من قبل السلطة المختصة الآمرة بندب الخبير ، لذا ينقسم تقرير الخبير إلى ثلاثة أقسام ، حيث يذكر في القسم الأول منها محل العمل المنتدب لأجله ، و يتناول القسم الثاني منها الخطوات الإجرائية التي أتخذها لأجل إنجاز هذا العمل ، حتى تكون واضحة من الناحية القانونية من حيث صحتها ، و يخصص القسم الثالث لتوضيح النتيجة الفعلية و العلمية التي توصل إليها بأدق التفاصيل التي واجهها في سبيل أداء ذلك العمل ، مع إلتزامه بعدم الخروج على الحدود التي ندب لأجلها.